المحامي يحيى غالب الشعيبي
الشعوب الحية هي التي تستطيع تجاوز المحن والانكسارات السياسية وتحويلها إلى مناسبات يخلدها التاريخ هكذا هو حال شعب الجنوب الذي لم يستسلم للهزيمة العسكرية في حرب الخديعة الكبرى حرب احتلال الجنوب عسكريا في صيف 1994م والذي سجل التاريخ يوم السابع من يوليو من ذلك العام ذكرى سودامئساوية بشعة تعرض شعب الجنوب لحرب ابادة جماعية ولجرائم ضد الإنسانية حرب ممنهجة كشفت الوقائع بأنها كانت حرب انتقامية تم الإعداد والتحضير لها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي .
ظل السابع من يوليو يوم اسود في حياة شعب الجنوب المقاوم الرافض للقهر منذ عام 1994م ,كان ابنا الجنوب وخصوصا ابنا عدن الباسلة ينظرون الى ساحة العروض (ساحة الحرية في خور مكسر)بعد احتلال الجنوب نظرة مكسورة الخاطر لا تستطيع أعينهم مشاهدة موقع جريمة قلع وتحطيم مجسم النصب التذكاري الجنوبي المصنوع من مادة الزنك والرصاص والذي كان يمثل لديهم تعبيرا وفخرا بماضي مجيد انطلاقا من الوعي لسياسي والفكري لشعب الجنوب وانتمائهم إلى مجتمع القيم المدنية والى مجتمع لا يعرف القهر ولا يقبل الطغيان ,عندما قامت قوات الاحتلال باقتلاع اكبر مجسم تذكاري يتوسط ساحة التاريخ الجنوبي مستخدمة المناشير الكهربائية وهي نفس المناشير والمعدات التي استخدمها جيش صدام حسين في اقتلاع أعمدة وبوابات البنوك الكويتية اثنا احتلال الكويت ,مجسم النصب التذكاري الجنوبي تم نقله بواسطة الرافعات والعربات من (ديارالكفرالجنوب)الى (ديار الإسلام الشمال)حسب فتوى الحرب التي أباحت دما وأرواح وأموال الجنوب كغنائم حرب وهو مآتم بالفعل .
ما جرى بالجنوب من عبث واستباحة لكل القيم النبيلة الفنون والتعليم ودور النشر والثقافة وللآثار والمتاحف والمصانع والمنازل والمزارع والحجر والشجر كان بمثابة صدمة كبيرة لشعب الجنوب ورغم الضربات الموجعة التي يتلقاها شعب الجنوب من دمار وقتل وسفك دما وترويع وتجويع لكنه ظل صابر وصامد وهذه الضربات التي لم تميته زادته قوة وصلابة كان يمتص تلك الضربات الموجعة ولم يفقد ألآمل المشروع بل كان ألآمل عنوان ابنا الجنوب الأحرار يعيشون عليه انطلاقا من قناعا تهم الواعية بعدالة قضية شعب الجنوب من ناحية وان قوة الباطل لايمكن تصمد إمام قوة الحق من ناحية أخرى والجميع يدرك وكان متابع لمسيرة الحراك الجنوبي والظروف الذاتية والموضوعية التي ساعدت على انطلاقة مسيرة الحراك والظروف الموضوعية كانت تتمثل بالتصالح والتسامح الجنوبي هذا المشروع الذي انتصر له رجال شجعان صادقين مع الله ومع وطنهم المحتل والظرف الذاتي كان يتمثل ببروز نواة سياسية أو قيادة ميدانية جنوبية حملت على عاتقها قضية شعب الجنوب تمثلت بطلائع المتقاعدين العسكريين والذين تكونت نواتهم الأولى في مدينة الضالع الباسلة وأن كانت مطالبهم تؤخذ التدرج السياسي من ألمطلبي الحقوقي ألا إن يوم السابع من يوليو 2007م في ساحة (العروض)ساحة الحرية في خور مكسر كانت الانطلاقة الجنوبية الشاملة لقطار الحراك الجنوبي الذي يسير على أرضية التصالح والتسامح الصلبة من ذلك اليوم والزمان والمكان كسر شعب الجنوب حاجز الخوف مئات ألآلاف احتشدوا من المهرة الى الضالع بعد فراق قسري تعانق ابنا الجنوب تشابكت أياديهم متكاتفة يدا بيد وأعلنوا عن مشروعهم الحقيقي السياسي مشروع الاستقلال واستعادة الدولة جمهورية اليمن الديمقراطية وهذا ما تضمنه البيان السياسي صبيحة 7يوليو 2007م الصادر عن ابنا الجنوب في المهرجان الحاشد الذي دعا إليه مجلس المتقاعدين العسكريين وهكذا كانت العزيمة الجنوبية اكبر من وقع الهزيمة الشمالية وكانت الارداة والجسارة والاستبسال مقومات الانطلاقة الجنوبية وكان الحضور الى ساحة العروض بمثابة رد اعتبار للتاريخ الجنوبي ويحمل دلالات ومعاني سياسية كبيرة .
وإذا كان عام 2007م قد سقط فيه 7شهداءومئات الجرحى وآلاف المعتقلين من بعد 7يوليو فأن الأعوام 2008 و2009 و2010قد شهدت جرائم قتل جماعي بالجملة مئات الشهدا وألآف الجرحى وعشرات ألاف من المعتقلين وفي 7يوليو من كل عام منذ انطلاقة الحراك يسفك الدم الجنوبي ويسيل انهارا وشلالات متدفقة خصوصا في العاصمة عدن التي يحتفل شعب الجنوب بعزيمته بذكرى الانطلاقة الجنوبية وهزيمته التي استطاع تحويلها إلى يوم تاريخي لشعب الجنوب ,كان 7يوليو 2007 ليس انطلاقة الحراك الجنوبي بالداخل فحسب بل انطلاقته في الخارج السياسي حيث حرصت وكالات الأنبا الدولية والعربية والقنوات الفضائية الخارجية على الحضور وتغطية الحدث السياسي المدني الحضاري على مستوى المنطقة العربية والإقليمية وأتذكر صباح ذلك اليوم كانت قواعد كاميرات التصوير للقنوات الخارجية تنتصب في زوايا ساحة الحرية وعلى أسطح المحلات التجارية والمباني المجاورة وكانت قناة الجزيرة ألأكثر حضورا واهتمام بنقل الحدث مباشرة على الهوا وظهرت رسالة الجنوب السياسية على شاشات التلفزة العالمية والعربية بعد قطيعة قسرية لآكثرمن 12عام وكان بالنسبة لي شخصيا اول ظهور في حوار سياسي مع قناة الجزيرة من ساحة الحرية بخورمكسروكان محور الحوار القصير حول قضية الجنوب والجدل الدائر حينها هل هي حقوقية ام سياسية وأوضحنا للعالم وبوضوح ان قضية شعب الجنوب سياسية بامتياز .
اليوم وبعد 3سنوات من انطلاقة الحراك ونحن نحتفل بذكرى الانطلاقة وفي عدن الحبيبة لابد نتذكر تضحيات شعب الجنوب هذه التضحيات التي أظهرت قضية الجنوب وتصاعدت بقوة وبسرعة هائلة ووضعت نفسها على الأجندة الدولية وسجلت حضور كبير جدا خصوصا بعد ظهور الرئيس علي سالم البيض العام الماضي الذي شكل دعم قوي معنوي وروحي ونفسي لشعب الجنوب بالداخل والخارج وبنفس الوقت شكل صدمة سياسية لنظام الاحتلال وهزيمة وانكسار نفسي جعل سلطات الاحتلال تتصرف بشكل أكثر هستيرية وعنف وانتقلت إلى خطاب متخبط فقدت ما تبقى لديها من توازن سياسي حيث إن ظهور الرئيس البيض ترافق مع ارتفاع وتصاعد منسوب المد ألحراكي الشعبي الجنوبي الذي يواجه بأكثر دموية وأكثر عدوانية,هذا الحراك الذي أصبح اليوم يتصدر عناوين الصحف العربية والعالمية كأهم حدث سياسي .
واليوم والجماهير تتجه صوب قبلة الثوار عدن الحبيبة لابد إن يسأل كل جنوبي نفسه لماذا الجماهير تخاطر باوراحها وتذهب الى أمام ألة الدمار والموت بصدور عارية ؟لماذا إلى عدن بالذات ؟إن الجواب واضح ولا يحتاج اجتهادات لآن الهدف هو الاستقلال واستعادة الدولة والهدف ان تظل شجرة الحرية وارفة الظلال يسقيها شعب الجنوب الدما الزكية الطاهرة .
في الختام نقول سلاما لشعب الجنوب الشجاع التواق إلى الحرية والاستقلال ,سلاما للدما التي نزفت في ساحات الشرف ,سلاما للرجال الأبطال الذين كانوا طلائع الحراك وانطلاقته ,سلاما للشهدا الميامين والجرحى المغاوير والأسرى الصامدين سلاما لشعب الجنوب الذي استطاع تحويل الهزيمة إلى مشروع انتصار بقوة العزيمة .
*قيادي في الحراك الجنوبي